المواضيع البحثي

يتمحور "أزياء السودان" حول الموضوعات العامة للهوية والمظهر، وكيف تم بناء هذين المفهومين والتفاوض عليهما معا من قبل المجتمعات السابقة.

يتبنى المشروع ثلاث من الطرق المختلفة التي يختبر بها البشر "الهوية": نحن نصنع هويتنا الخاصة، مع التعرف على هويات الآخرين. يقوم العمل على علم الآثار على سد الفجوات بين الماضي والحاضر والآخرين وأنفسنا. يعتمد مشروع "أزياء السودان" في بحثه على هذه الثلاثة أنماط.

فرضيتنا الرئيسية هي أن ممارسات الملبس هي مدخل أساسي للتعرف على السكان السابقين وهوياتهم، حيث أن الملابس ترافق الفرد من الولادة حتى الممات باعتبارها جلدا ثانٍ. تشمل "الأزياء" على جميع ما أنشأته  البشرية لحماية الجسم وزخرفته: مثل الملابس وتسريحات الشعر والمجوهرات والوشوم والخدش. عند الجمع بينها وبين أعرافها الثقافية، تشكل عناصر "ممارسات الملبس" التي تعمل كوسيلة قوية للتواصل غير اللفظي و "تلبيس" الجسم ليعكس الشخصية الفردية والاجتماعية.

 

الموضوع الأول هو "التعرف على الهويات". سيقترح هذا الموضوع نموذجا جديدا لدراسة واستخدام ممارسات الملبس كدليل على الهوية. وسيضع الأساس المنهجي والنظري للمشروع، مما يوفر إطارا متينا للدراسات اللاحقة، وخلق حوارات بين النتائج المستقبلية و الجدالات الحالية في علم الآثار والعلوم الإنسانية بشكل عام. الأسئلة الرئيسية التي سيتم تناولها هي:

هل يمكننا استخدام الأيقونات والرموز للوصول إلى أسئلة الهوية، وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف؟

كيف يمكننا تحرير "الهوية الثقافية" في السودان القديم من طريقة تناولنا وعرضنا لها؟

ما هي النظريات التي يمكننا استخدامها لدراسة تداخل الأزياء مع الناس والبيئة السودانية؟

كيف يمكننا بناء فئات وجودية جديدة بناء على هذه المفاهيم ودمج ممارسات الملبس السوداني القديم مع بيئة هذه الفئات الاجتماعية والثقافية؟

ستتبع حزمة العمل نهجا نظريا قويا يعتمد على مفاهيم المادة والعلاقات المتداخلة والتجميعات الحسية التي تم تطويرها في علم الآثار والأنثروبولوجيا الاجتماعية، مع دمج التطورات الأخيرة في تحرير التراث الثقافي. سيتم تجميع هذه المجموعة من النظريات ومناقشتها من خلال الدراسة النظرية واجتماعات الفريق وورش العمل المواضيعية التي سيتم تنظيمها مع فريق الخبراء الاستشاريين للمشروع. أيضا، سيتم اختبار العديد من النماذج، مثل التوريث الحرفي أو التجارب الحسية، من خلال علم الآثار التجريبي وإعادة تركيب وبناء الملابس (كل من الملابس الفعلية والرسوم التوضيحية الرقمية 3D). الهدف من كل هذا هو إنشاء نموذج نظري متماسك حول ممارسات الملبس التي تستند عليها منهجيتنا في البحث والتحليل والتفسير.

سيواصل هذا النمط في إنشاء فئات وجودية جديدة، مما سيضع التصنيفات التقليدية المستخدمة في تاريخ الموضة موضع تساؤل،  وسيخلق تصنيفا للأزياء خاصا بالوسط السوداني. ستقوم هذه المرحلة ببناء قواعد بيانات علائقية تجمع العناصر الأثرية من النسيج والبشرة والجلود، جنبا إلى جنب مع مجموعة مختارة من الوثائق الأيقونية وزخارف الجسم (تسريحات الشعر والإكسسوارات والمجوهرات والتعديلات الجسمانيّة مثل الوشم والخدوش). ستؤدي تغذية قاعدة البيانات هذه إلى تحديد أنواع الملابس والسمات النموذجية لثقافات الملبس، مثل العناصر الأساسية (مثل المئزر)، والجماليات الدقيقة (مثل الأطراف) أو التقنيات (مثل التخريم)، والمفاهيم (مثل كشف أو تغطية الجسم).

 

سيستكشف محور "صياغة الهويات" تصنيع مكونات الملبس في بيئته الثقافية والطبيعية مؤلفا من فحص وفهم الآليات التي أدت إلى تحويل مواد خام معينة إلى ملابس، كما سيعّرفنا على استخدام المواد الخام عبر الزمان والمكان، وإلى فهم النماذج الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وراء هذا الاختيار. الأسئلة الرئيسية التي سيتم تناولها هي:

 

ما هي المنتجات النباتية والحيوانية التي استخدمت في صناعة الملابس وما هي خصائصها؟

كيف تم شراء الألياف وإعدادها؟

ما هي سلسلة العمليات التي تتم لإنتاج الملابس؟ وكيف تغيرت عبر الزمان والمكان؟

كيف أثّر إنتاج الملابس على الاقتصاد؟ وهل يعكس أساليب محددة للمعيشة؟

ستدمج حزمة العمل هذه دراسة الحرف القديمة مع الاقتصاد، واستخلاص البيانات من القطع الأثرية نفسها وكذلك من الأدوات، وعلم النبات، علم الحيوان، علم الآثار الطبيعية، ودراسة سلاسل العمليات، وعلم الآثار التجريبي، المصادر المكتوبة. حيث أن استلزم تصنيع الملابس استغلال الموارد الخام المتنوعة التي يصعب إنتاجها أو شراؤها في بعض الأحيان، وتعبئة قوة عاملة كبيرة لتشارك في عمليات لا حصر لها وتستغرق وقتا طويلا.

يمكن تحديد ثلاث مراحل: إنتاج الموارد (مثل زراعة الألياف النباتية، وجمع الأعشاب البرية، وصيد الحيوانات البرية، وتربية الحيوانات)، وتحويلها إلى مواد قابلة للاستخدام (على سبيل المثال عن طريق الحصاد، والقص، والسلخ، والغسيل/التجديد، والتمشيط، والمعالجة، والدباغة، والغزل، وما إلى ذلك)، والتصنيع النهائي (مثل النسيج، والقطع، والتفصيل، والصباغة، والخياطة، والتزيين، والغسيل، والإصلاح، وما إلى ذلك). إن تحديد ودراسة هذه الجوانب المختلفة لإنتاج الملابس سيجلب معلومات جديدة تماما عن اقتصاد السودان القديم، ويسلط الضوء أول مرة على مواضيع عناصر اللامعونة وسبل الراحة.

كما سيكشف عن نماذج إنتاج مختلفة عادة ما يتم تجاهلها في السجل الأثري للفترات المغايرة لعصور ما قبل التاريخ، مثل الصيد والجمع، أو الرعي البدوي وشبه البدوي، وفهم علاقاتها بالاستقرار الزراعي. لأول مرة، ستلقي دراسة التقنيات الحرفية والتدريب المهني ضوءا على الدراية والمعاني الاجتماعية للحرف اليدوية وإنتاج الملابس. إن الاعتراف بهذه الآليات عبر تاريخ السودان القديم ومساحته الشاسعة سيقودنا إلى للكشف عن الشبكات الثقافية والتجارية

معا، ستشارك هذه المجموعة الواسعة من البيانات في الكشف عن الجوانب الرئيسية للهويات السودانية والنوبية السابقة: كيف يرتبط الناس بالبيئة الطبيعية المحيطة، وكيف يتبادلون المعرفة والمنتجات، وكيف ينظمون أنشطتهم اليومية ويحافظون على سبل عيشهم، وأخيرا، كيف ينظمون علاقاتهم مع المجتمعات المجاورة. سيشمل تتبع استخدام الموارد الخام عبر الزمان والمكان أخذ عينات من كل من المنسوجات والجلد ، وتحديد الألياف والجلد (التصوير باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح ، وعلم الأحياء القديمة ، وتحليلات HPLC لتحديد عوامل الصباغة والدباغة) ، وكذلك التأريخ بالكربون المشع.

 

سيركز الموضوع الأخير على "هويات الأداء" وربط ممارسات الملبس بالفرد والجسم الاجتماعي. يهدف الموضوع إلى فهم ظاهرة ممارسات اللباس ككل: كيف تطورت، وكيف نظمت بناء الهويات الذاتية والجماعية. ستكون الأسئلة الرئيسية:

ما نوع الملابس التي تم استخدامها في فترات ومواقع وسياقات محددة؟

كيف تعمل الملابس، ماديا كغطاء للجسم، واجتماعيا كوسيلة للاتصال؟

كيف تم استخدام اللباس في بناء هويات مختلفة (العمر، الجنس، الوضع الاجتماعي، المهنة، إلخ)؟

كيف تفاعلت ممارسات الملبس مع التغيرات الاجتماعية والمواقف المتغيرة تجاه الجسم؟

بفضل الأدوات والنماذج النظرية التي تم بناؤها سابقا، سيتم تناول هذه الأسئلة من خلال التضافر بين علم الآثار والدراسات الحرفية، وتجارب النسيج والجلود، والتاريخ، والأيقونية، والدراسة النصية. سيقوم الجزء الأول من حزمة العمل الثالثة هذه باستخلاص التحليلات الإحصائية من قاعدة البيانات، والكشف عن وتتبع استخدام وتوزيع مكونات الملابس المختلفة عبر الزمان والمكان. سيتم تجميع النتائج في خريطة تزامنية وغير تزامنية لممارسات الملبس في جميع أنحاء كوش. أما الجزء الثاني فسيدرس عملية بناء الهوية من خلال الملبس، على نطاق الأفراد والمجتمعات. سيتم إيلاء اهتمام خاص للكشف عن السلوكيات المختلفة تجاه الجسم وتقييم تكرار - أو إنعدام - أزياء محددة لمجموعات محددة.

الهدف من  حزمة العمل الثالثة ليس تكوين مجموعات من التصنيفات الثابتة، وتحديد تقاليد الملبس لأطر زمنية محددة أو مجموعات عرقية محددة. على العكس تماما، نحن نؤمن بالتعايش في السودان القديم بين "جماعات" متنوعة وبوجود سرديات متعددة المستويات للهوية، والتي تطورت باستمرار خلال حياة الشعوب. في السجل، تظهر أمثلة لهويات يمكن أن تكون لرماة أو فتيات غير المتزوجات أو رجال دين أو أطفال. سيركز "أزياء السودان" بشكل خاص على النوع والعمر، والوضع الاجتماعي، والأجساد في الحياة والموت، والهويات الإقليمية، والأفراد مقابل الجماعات. باستخدام البيانات التي تم الحصول عليها وتحليلها في الدراسات التفصيلية للحالات، سنحاول تتبع ديناميكيات العلاقات والتبادلات بين الناس والآفاق الثقافية.