أزياء السودان، البداية والتكوين
مشروع أزياء السودان – علم آثار الملبس على طول نهر النيل الأوسط يصل الآن نهاية عامه الأول. بدأ المشروع رسميًا في أغسطس 2022، في المؤسسة المضيفة حيث تم تصميمه: مركز أبحاث النسيج / معهد ساكسو بجامعة كوبنهاغن.
لكن الطريق إلى هذه المرحلة كان طويلا! لذلك، مع دخول المشروع طور التنفيذ بمشاركة الفريق بأكمله وبدء العديد من أنشطته الأخرى – فإنه الوقت المناسب لإلقاء نظرة إلى الوراء وعرض خطواتنا من البداية. سنشارك في هذا المقال بعض المعلومات حول المرحلة الحالية للمشروع والخطوات التي قادتنا إليها.
من 2018 إلى 2019 – الفكرة أو الأفكار
كما يحدث غالبًا في الأبحاث، فإن مشروع "أزياء السودان" هو من نواحٍ عديدة نتاج تراكمات من مشروع سابق. وفي هذه الحالة، ذلك المشروع السابق هو TexMeroe (MSCA743420) -أحد مشاريع برنامج ماري سكوودوفسكا كوري لدعم المشاريع البحثية- الذي بدأته في العام 2018 في مركز أبحاث النسيج (CTR). بعد حصولي على درجة الدكتوراه، كان هدف مشروعي لما بعد الدكتوراه "أزياء السودان" هو كشف المزيد من التفاصيل عن حرفة النسيج في مروي في السودان القديم. وذلك من خلال استكشاف منظورات مختلفة لأنشطة النسيج، وخاصة في الجوانب الفنية، بدءًا من استخدام الألياف وصولا للمنتج النهائي. لكن، منذ البداية، بدأت تسأولات أخرى في الظهور. هل عكست هذه الاختيارات الفنية معاني أعمق أو أثرت بقوة على المجتمع و/أو الأفراد؟
استكشفت مع العديد من الزملاء إمكانيات ربط إنتاج القطن مع استهلاك النخبة للأقمشة وخيارات الملابس ذات الانتماء الثقافي على سبيل المثال. أضافت المناقشات والمشاريع المشتركة مع الزملاء مثل -على سبيل المثال لا الحصر– ماجدالينا م. وزنياك، وشارلين بوشود، والبعثة الأثرية لجزيرة صاي الكثير لهذا التفكير الجماعي. من خلال العمل اليومي في مركز أبحاث النسيج والتعمق في أبحاث المنسوجات، إطلعت على أعمال ماري لويز نوش، وماري هارلو، وإيفا أندرسون ستراند، وماري لويز ستيج سورنسن وكانت جميع تلك الأعمال مصدر إلهام لي. وانطلاقاً من المفاهيم العامة لـ "ثقافة القماش" ولدت فكرة تطوير "آثار ممارسات الملبس" في السودان.
الفكرة الرئيسية للمشروع في غاية البساطة وهي: تحديد وتتبع وتحليل الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها للممارسات المتعلقة بالملابس أن تحدد الهويات السابقة. هَدَفْنَا لأن نرى ما إذا كان من الممكن استخدام الملابس الأثرية كدليل لفهم السلوك البشري بشكل أفضل، بدءًا من تصنيعها وحتى استخدامها في الحياة اليومية وحتى الموت.
2019-2020 و2021! - مرحلة التقديم
من المفهوم الأولي للمشروع، تكشفت العملية الطويلة لتقديم طلب لمجلس البحوث الأوروبي. لقد كنت محظوظة جدًا في هذه المرحلة، حيث تمكنت من الاستفادة من الملاحظات التي تلقيتها على مراحل مختلفة، وجلسات العصف الذهني، والإرشاد، والدعم الشامل من جامعة كوبنهاغن بشتى الطرق. كان "مسار مجلس البحوث الأوروبي" الذي إتبعته خلال تدريبي كأحد المنضمين لبرنامج UCPH Forward مفيدًا بشكل خاص في تحديد ما أردت القيام به ولماذا. لقد وفّر تبادل الأفكار مع الزملاء في مركز البحوث والموارد والعلوم الطبيعية الكثير من الأسس المنهجية للمشروع، بينما بثت المناقشات مع علماء الآثار وأمناء المتاحف العاملين في السودان الروح في المشروع بالمواد التي سيتم دراستها. وأخيرًا وليس آخرًا، كان الدعم المقدم من جامعة كوبنهاغن ومعهد ساكسو طوال كامل عملية التقديم مذهلاً في فعاليته في الوصول بطلب التقديم للمستوى المطلوب. تحية كبيرة لفريق دعم البحث، مادز وهانز كريستيان – ستيوارت وارد، وأعضاء لجان الملاحظات والمقابلات التدريبية.
هذا المشروع هو نتاج جهود العديد من الأشخاص. ليس مرة واحدة، بل مرتين، حيث لم يقبل المشروع إلا بعد تقديم النسخة الثانية، في عام 2022. وقد قدم الخبراء الذين راجعوا النسخة الأولى تقريرًا مفصلًا ومفيدًا للغاية، والذي استخدمته لمعالجة نقاط ضعف المشروع. بفضل الدعم المالي الذي تلقيته في عام 2021 من برنامج مؤسسة البحوث المستقلة في الدنمارك، تمكنت من تصحيح الأسس النظرية والمنهجية للمشروع أثناء جمع البيانات الأولية وإجراء الدراسات التجريبية. وبعد الكثير من إعادة الكتابة والتعديل، والتدريب المكثف على المقابلات، تم قبول المشروع في يناير 2022.
تجربة التقديم لمشروع بحثي قد تكون مختلفة من شخص لآخر، لكن تجربتي كانت بالتأكيد مليئة بالنجاحات والإخفاقات. ولكن من نواحٍ عديدة، يُظهر ذلك أهمية وجود أسئلة حقيقية تود الإجابة عنها، وموضوع بحثي يحفزك طوال الوقت. كما تسلط هذه التجربة الضوء على أهمية المساعدة التي لا تقدر بثمن والتي يمكن أن يتلقاها الشخص من فريق دعم حقيقي غني بالخبرات المتنوعة.
من 2022 إلى 2023 – إطلاق المشروع
خَطَى "أزياء السودان" خطواته الأولى في نهاية أغسطس 2022، أي منذ أكثر من عام. من السهل أن أشعر أن الأشهر الاثني عشر الماضية لم تسفر عن النتائج التي كنت أتمناها عندما كنت أضع خطة العمل وقت تقديم الطلب. حيث لم ينشر المشروع بعد العديد من المقالات، ولا تزال قاعدة البيانات في مرحلة الاختبار. بالنظر الى ما مضى، نجد أن عددًا من الأشياء المهمة جدًا قد حدث، وتم وضع العديد من العناصر الأساسية للمشروع. كما في البناء، كانت هذه المرحلة الأولى تتعلق إلى حد كبير بإعداد الطوب وأدوات البناء، حتى نتمكن من بناء مبنى متين لاحقًا.
كانت أولى هذه المهام الكبيرة هي تكوين الفريق. بعد أن كان مكونا من فرد واحد، توسع فريق المشروع ليضم الآن اثنين من باحثي ما بعد الدكتوراه على أن ينضم إليهم باحث ثالث قريبا، ومدير مشروع/ باحث مساعد، اثنين من طلاب الماجستير، وطالب مساعد. بالإضافة إلى مختصون آخرون إنضموا إلى فريق المشروع الأساسي لتقديم الخبرة التخصصية في إدارة البيانات أو النسيج أو الرسوم التوضيحية الأثرية.
تعاوننا أيضا مع العديد من المتاحف والمؤسسات، مثل متحف جوستافيانوم (جامعة أوبسالا)، والمتحف البريطاني، والهيئة الوطنية السودانية للآثار والمتاحف، وقسم الآثار الفرنسي بالخرطوم. وقمنا بالفعل بزيارات بحثية للعديد من المتاحف وانضممنا إلى البعثة الأثرية لجزيرة صاي في نوفمبر 2022. كما من المخطط أن نقوم بالعديد من الزيارات الأخرى!
سيتم إدخال كل هذه البيانات قريبًا في قاعدة بيانات المشروع، التي هي الآن في مرحلة التصميم والاختبار النهائية في مختبر بيانات الحرم الجامعي الجنوبي بجامعة كوبنهاغن. ستشتمل قاعدة البيانات على المنسوجات والجلود الحيوانية، بالإضافة إلى التمثيلات الأيقونية والحُلِي المُنَاسَبِيَة. كان إعداد تصور قاعدة البيانات هذه معقدًا للغاية وتطلب عددًا من النقاشات الحيوية بين أعضاء الفريق! سيكون تنفيذ قاعدة البيانات بمثابة علامة بارزة للمشروع ككل ونتطلع إلى استخدامها.
حتى الآن، ركزت الأبحاث على إعادة تعريف الطريقة التي نفهم بها ونتحدث عن ممارسات الملبس في السودان. ركزت ورش العمل الجماعية والقراءات والعروض التقديمية في المؤتمرات على نظرية الجسد في علم الآثار، ومفهوم اللباس والعري، وإنهاء الاستعمار، ومصطلحات الملبس. كفريق، نأمل في الإستمرار في هذا العمل من خلال إطلاق سلسلة ندوات "أزياء السودان".
استغرق إختيار العديد من مواضيع وأدوات هذه الندوات وقتًا طويلاً، ولكن تنفيذها ضروريًا لنجاح المشروع. الآن بعد أن أصبح لدينا كل ما نحتاجه - حان الوقت للبدء!
ولا يمكننا أن نختتم هذا العام الأول دون أن نذكر القتال الذي اندلع في الخرطوم في أبريل من هذا العام والذي أدى منذ ذلك الحين إلى إغراق السودان في حالة حرب. وبينما يعاني السكان ككل معاناة كبيرة، اضطر معظم زملائنا إلى الفرار من الخرطوم، مع إنعدام إمكانية الوصول إلى البلاد وكذلك متحف السودان القومي. ومع تدهور الوضع الإنساني، أصبح التراث أيضًا مهددا. لقد أثر هذا الأمر علينا كثيرًا ولا يزال من الصعب قبول حقيقة أننا لا نستطيع الذهاب إلى السودان والعمل مع زملائنا هناك ومشاركة أنشطتنا مع الجماهير المهتمة. كمشروع، سنجد قنوات أخرى لمواصلة العمل والحديث عن السودان، بينما نأمل بصدق في تحسن الوضع هناك.
بالنسبة لي كباحثة رئيسية، وللفريق ككل، من المؤكد أن هذا المشروع كان منتظرًا منذ فترة طويلة، وكان العمل على تطويره أمرًا صعبًا ومثيرًا للغاية. وسنحمل هذا الشغف في السنوات القادمة، على أمل الكشف عن جوانب جديدة من الثقافات السودانية القديمة.